الفن لغة تتجاوز الحدود.. معرض تشكيلي في قامشلو السورية يوحد الثقافات والإنسان
الفن لغة تتجاوز الحدود.. معرض تشكيلي في قامشلو السورية يوحد الثقافات والإنسان
في مدينة قامشلو السورية، حيث تتقاطع الجغرافيا مع الذاكرة، وحيث تبحث المجتمعات عن مساحات أمل وسط التحولات الكبرى، جاء معرض الفن التشكيلي ليؤكد أن الثقافة لا تزال قادرة على جمع ما فرقته السياسة، وأن الفن يمكن أن يكون لغة إنسانية عميقة تتجاوز الانتماءات والحدود، وفي مشهد نابض بالجمال والتنوع، تحولت اللوحات إلى نوافذ تطل على هموم الإنسان وآماله المشتركة، وتمنح الزائر فرصة للتأمل في قوة الإبداع بوصفه فعلا إنسانيا جامعا.
الفن بوصفه جسرا إنسانيا
تحت شعار الفن التشكيلي يبني جسرا بين الشعوب، نظمت هيئة الثقافة في مقاطعة الجزيرة يوم الأحد 21 ديسمبر معرضا للفن التشكيلي، بالتعاون مع كومين الرسم في مدينة قامشلو بإقليم شمال وشرق سوريا، المعرض لم يكن مجرد فعالية فنية عابرة، بل جاء كرسالة ثقافية واضحة تؤكد أن الفن قادر على ترميم العلاقات الإنسانية، وبناء مساحات للحوار والتعايش المشترك في زمن تزداد فيه الانقسامات، وفق وكالة أنباء المرأة.
شارك في المعرض عدد من الفنانين والفنانات الذين قدموا أعمالا فنية متنوعة في أساليبها وتقنياتها، لكنها التقت جميعا عند جوهر إنساني واحد، يتمثل في التعبير عن قضايا الإنسان، وآلامه اليومية، وتطلعاته إلى السلام والاستقرار، وعبر اللوحات لم تكن الألوان مجرد عناصر جمالية، بل حملت في طياتها حكايات عن الأرض والهوية، وعن الذاكرة الجمعية التي تسكن وجدان شعوب المنطقة.
تنوع اللوحات وغنى التجارب
ضم معرض الفن التشكيلي مجموعة واسعة من اللوحات التي تنوعت بين الواقعي والتجريدي، وبين التعبير الرمزي والمباشر، هذا التنوع عكس غنى التجارب الإبداعية للمشاركين، واختلاف رؤاهم الفنية، لكنه في الوقت ذاته أبرز وحدة الموضوع الإنساني الذي جمعهم، فكل لوحة بدت وكأنها تحكي قصة، أو تطرح سؤالا، أو تستحضر مشهدا من واقع الإنسان في هذه الجغرافيا المعقدة.
الزائر للمعرض لا يقف أمام أعمال صامتة، بل أمام نصوص بصرية مفتوحة على التأويل، تحفزه على التفكير والتفاعل، بعض اللوحات استحضرت معاناة الإنسان في زمن الحرب، وأخرى ركزت على الأمل والتشبث بالحياة، فيما ذهبت أعمال أخرى إلى الاحتفاء بالتنوع الثقافي والاجتماعي بوصفه مصدر غنى لا تهديد.
حضور الجمهور والتفاعل المجتمعي
شهد المعرض حضورا لافتا من المهتمين بالشأن الثقافي والفني، إضافة إلى طلاب وفنانين وناشطين ثقافيين، هذا الحضور لم يكن مجرد زيارة عابرة، بل شكل حالة من التفاعل الحقيقي مع الأعمال المعروضة، حيث توقف الزوار مطولا أمام اللوحات، وتبادلوا الآراء والانطباعات حول مضامينها ورسائلها.
ويستمر المعرض على مدى ثلاثة أيام متتالية، ما يتيح شريحة أوسع من الجمهور فرصة الاطلاع على الأعمال الفنية والتفاعل معها، وهذا الامتداد الزمني يعكس إدراكا لأهمية إتاحة الفن للجمهور، وعدم حصره في إطار نخبوي، بل جعله جزءا من الحياة اليومية والمشهد المجتمعي.
دعم رسمي وثقافي للفن
افتتح المعرض بكلمات ألقاها ممثلو الإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة، أكدوا خلالها على أهمية دعم الأنشطة الثقافية والفنية، وضرورة تعزيز حضور الفن التشكيلي في المجتمع بوصفه وسيلة تعبير إنسانية تساهم في نشر قيم التعايش والسلام، وأشار المتحدثون إلى أن الثقافة والفن يشكلان ركيزة أساسية في بناء مجتمع متماسك، قادر على تجاوز آثار الأزمات والصراعات.
كما شددوا على أهمية التزام المؤسسات الثقافية بدعم الفنانين والفنانات، وتوفير المساحات اللازمة لعرض إبداعاتهم، معتبرين أن الاستثمار في الفن هو استثمار في الوعي المجتمعي وفي مستقبل الأجيال القادمة، وهذه الرسائل عكست توجها واضحا نحو ترسيخ دور الثقافة كعنصر فاعل في الحياة العامة، لا كترف أو نشاط هامشي.
أهداف المعرض ورسائله
من جانبها، أوضحت اللجنة التحضيرية للمعرض في كلمتها أن هذه الفعالية تهدف إلى خلق منصة فنية مفتوحة تتيح للفنانين عرض تجاربهم الإبداعية، وتوفر مساحة لتبادل الخبرات والتجارب، وأشارت إلى أن المعرض يسعى إلى تعريف الجمهور بدور الفن التشكيلي في التعبير عن القضايا الإنسانية والاجتماعية المشتركة، وتعزيز الحوار بين مختلف مكونات المجتمع.
وأكدت اللجنة أن اختيار شعار الفن التشكيلي يبني جسرا بين الشعوب لم يكن اعتباطيا، بل جاء انطلاقا من قناعة بأن الفن قادر على تجاوز الحواجز، وفتح قنوات تواصل حقيقية بين الثقافات المختلفة، خاصة في منطقة عانت طويلا من الانقسامات والصراعات.
الفن كمساحة أمل
في سياق اجتماعي وسياسي معقد، يكتسب هذا المعرض بعدا يتجاوز الإطار الفني البحت. فهو يمثل مساحة أمل، ومحاولة لإعادة الاعتبار للبعد الإنساني في حياة الناس، الفن هنا لا يقدم حلولا مباشرة للأزمات، لكنه يفتح نوافذ للتفكير، ويمنح الأفراد فرصة للتعبير والتواصل، ويعيد التذكير بقيم الجمال والتنوع.
كثير من الفنانين المشاركين عبروا عن شعورهم بأن المعرض يشكل فرصة نادرة للقاء والتفاعل، خاصة في ظل التحديات التي تواجه العمل الثقافي والفني، وأشاروا إلى أن مثل هذه الفعاليات تسهم في كسر العزلة، وتعزيز الشعور بالانتماء إلى مجتمع أوسع، يتقاسم القيم الإنسانية ذاتها.
يأتي تنظيم هذا المعرض في سياق جهود أوسع تبذلها هيئة الثقافة في مقاطعة الجزيرة لتعزيز الحراك الثقافي والفني في إقليم شمال وشرق سوريا، فمنذ سنوات، تعمل المؤسسات الثقافية في المنطقة على دعم الفنون بمختلف أشكالها، بما في ذلك الفن التشكيلي والمسرح والموسيقى، باعتبارها أدوات أساسية في بناء مجتمع تعددي ومتعايش.
وتعد مدينة قامشلو واحدة من أبرز المراكز الثقافية في المنطقة، حيث تحتضن تنوعا قوميا وثقافيا غنيا، انعكس بشكل واضح في المشهد الفني. وقد ساهمت مثل هذه الفعاليات في إبراز هذا التنوع، وتحويله إلى عنصر قوة، يعزز الحوار والتفاهم بين مختلف المكونات.
في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية التي مرت بها المنطقة، يشكل استمرار تنظيم المعارض والأنشطة الثقافية رسالة إصرار على الحياة، وتأكيد على أن الثقافة ليست ترفا، بل حاجة إنسانية ملحة، ومعرض الفن التشكيلي في قامشلو يقدم نموذجا حيا على قدرة الفن على لعب هذا الدور، وبناء جسور إنسانية تمتد أبعد من المكان والزمان.










